سورة يونس - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قوله جل ذكره: {الر تِلْكَ ءَايَتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ}.
الألف مفتاح اسم الله، واللام مفتاح اسم اللطيف والراء مفتاح اسم الرحيم، أقسم بهذه الأسماء إن هذا الكتابَ هو الموعودُ لكم يوم الميثاق، والإشارة فيه أنا حققْنَا لكم الميعاد، وأَطْلنا لكم عِنان الوداد وانقضى زمانُ الميعاد، فالعَصَاةُ مُلقَاة، والأيامُ بالسرور مُتَلْقَاة، فبادِروا إلى شُرْبِ كاساتِ المحابِّ، واستقيموا على نَهْجِ الأحباب.


قوله جلّ ذكره: {أَكَانَ لِلنَّاس عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ}.
تعجبوا من ثلاثة أشياء: من جواز البعث بعد الموت، ومن إرسال الرسل إلى الخَلْق، ثم من تخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة مِنْ بين الخلق، ولو عرفوا كمال مُلْكِه لم يُنْكِروا جواز البعث، ولو علموا كمال ملكه لم يجحدوا إرسالَ الرُّسل إلى الخلْق، ولو عرفوا أنَّ له أنْ يفعلَ ما يريد لم يتعجبوا من تخصيص محمد- صلى الله عليه وسلم بالنبوة مِنْ بين الخَلْق، ولكنْ سُدَّتْ بصائرُهم فتاهوا في أودية الحيرة، وعَثَرُوا- من الضلالة- في كل وَهْدَةٍ. وكان الأستاذ أبو علي الدَّقاق- رحمه الله- يقول: جَوَّزُوا أن يكون المنحوتُ من الخشب والمعمولُ من الصخر إلهاً معبوداً، وتعجبوا أن يكون مثلُ محمد- صلى الله عليه وسلم- في جلالةِ قَدْرِه رسولاً!!هذا هو الضلال البعيد.
قوله جلّ ذكره: {وَبَشِّرِ الَّذِنَ ءَامَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}.
وهو ما قدَّموه لأنفسهم من طاعاتٍ أخلصوا فيها، وفنونِ عباداتٍ صَدَقُوا في القيام بقضائها.
ويقال هو ما قَّدم الحقُّ لهم يومَ القيامة، مع مقتضى العناية بشأنهم، وما حَكَمَ لهم من فنون إحسانه بهم، وصنوفِ ما أفردهم به من امتنانهم.
ويقال: {قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}: هو ما رفعوه من أقدامهم في بدايتهم في زمان إرادتهم، فإنّ لأقدام المريدين المرفوعِة لأَجْلِ اللَّه حُرْمَةً عند الله، ولأيامِهم الخاليةِ في حالِ تردُّدِهم، وليالَيهم الماضية في طلبه وهم في حُرْقَةِ تحيّرهم مقاديرَ عند الله. وقيل:
مَنْ يَنْسَ داراً قد تخونها *** رَيْبُ الزمان فإني لست أنساكا
وقيل:
تلك العهودُ تشدُّها لتَحُلَّها *** عندي كما هي عقدها لم يُحللِ


لا يحتاج فِعْله إلى مُدّةٍ، وكيف ذلك ومن جملة أفعاله الزمان والمدة؟ فَخَلَقَ السموات والأرضَ في ستة أيام، وتلك الأيام أيضاً من جملة ما خَلَق الله سبحانه وتعالى.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي تَوَحَّدَ بجلال الكبرياء بوصف الملكوت. وملوكنا إذا أرادوا التجلّي والظهورَ للحَشَم والرعية برزوا لهم على سرير مُلْكِهم في ألوان مشاهدهم. فأخبر الحقُّ- سبحانَه- بما يَقْرُب من فَهْم الخلْقِ ما ألقى إليهم من هذه الجملة: استوى على العرش، ومعناه اتصافه بعز الصمدية وجلال الأحدية، وانفراده بنعت الجبروت وعلاء الربوبية، تقدَّس الجبَّارُ عن الأقطار، والمعبودُ عن الحدود.
{يُدّبّرُ الأَمْرَ}: أي الحادثاتُ صادرةٌ عن تقديره، وحاصلةٌ بتدبيره، فلا شريكَ يعضده، وما قضى فلا أحد يردُّه. {مَا مِن شَفِيعٍ إلاَّ مِنْ بَعدِ إذْنِهِ}: هو الذي يُنْطِقُ مَنْ يخاطبه، وهو الذي يخلق ما يشاء على من يشاء إذا التمس يُطالِبهُ.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}: تعريف وقوله: {فَاعْبُدُوهُ}: تكليف؛ فحصولُ التعريف بتحقيقه، والوصولُ إلى ما وَرَدَ به التكليف بتوفيقه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8